الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعــد:
إن مسئولية المرأة المسلمة عظيمة بلا ريب، وقد بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كل إنسان في هذه الأمة مسئول، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع -في الأمة- وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته... إلخ }.
فالمرأة مسئولة كما قال ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعموم العبادة لأنها خلقت لعبادة الله تبارك وتعالى، وتعبدها الله وشرع لها هذا الدين، كما شرع للرجال إلا فيما يختص بها لكونها أنثى.
فهي مكلفة مأمورة تدخل في كل أَمْرٍ أَمَرَ الله تبارك وتعالى به، من تقوى الله، ومن الاستقامة على الدين، والتمسك بالكتاب والسنة، واتباع هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل ما شرعه الله عز وجل في القرآن أو السنة مما لم يكن خاصاً بالرجال فإنه يشملها، وما كان خاصاً بالرجال لا يشملها، وكذلك لها -أيضاً- خصوصيتها من أحكام وأوامر شرعت لها فيما يختص بها من الخلق والجبلة.
إذاً: كل إنسان منا مسئول، ولا بد لكل مسلم ولكل عبد أن يعرف مسئوليته وواجباته، وإذا حددنا المسئولية والواجبات -وهو كذلك في الشرع- فإننا لا بد أن نأتي عليها جملة من غير إطالة.
إن أول وأعظم الحقوق هو حق الله تبارك وتعالى وأعظم واجب على المرأة المسلمة أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً؛ كما قال تعالى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء:36].
وكما بعث الله تبارك وتعالى أنبياءه بذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِم وَسَلَّمَ أجمعين، فقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] فأول ما يجب على المرأة المسلمة هو أن تبتعد كل الابتعاد عن الشرك بالله عز وجل كما قال تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116].
وكما قال عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]، فهذا أعظم واجب في حق المؤمن في ذاته وفي دعوته إلى الناس، وكما بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن ، فقال له: {إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله }، أو {إلى أن يوحدوا الله }، أو {أن يعبدوا الله } ثلاث روايات كلها صحيحة ثابتة، ومعناها واحد، فأول ما يدعو إليه العبد نفسه ويدعو إليه المدعويين هو توحيد الله تبارك وتعالى، لئلا يشرك به شيئاً في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته.
الشرك في الربوبية
فالشرك في الربوبية أن يعتقد أن هناك خالقاً غير الله عز وجل أو أن هناك من له شرك في خلق السموات والأرض أو شيء منها، وإن كان ذرة! فإن الله تبارك وتعالى هو خالق كل شيء، كما قال عز وجل: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الزمر:62] ولا أحد من هؤلاء المدعوين المعبودين قديماً وحديثاً يملك أن يخلق شيئاً؛ لأن الله تبارك وتعالى تفرد بذلك، فهو الذي له الملك كله، وإليه يرجع الأمر كله، واعتقاد ما يعتقده بعض المعاصرين الآن وينشرونه في المجلات وفي الأفلام وفي غيرها من أن في إمكان الساحر والكاهن أو المنجم، أو أي إنسان كائناً من كان أن يخرج أو يحييَ ميتاً، كما قد يعرض أحياناً في أفلام الكرتون ويعرض في الدعايات مما يمس جانب الربوبية كل ذلك يعد شركاً بالله تبارك وتعالى!
ومن الشرك في الربوبية من يعتقد أن في إمكان أحدٍ أن يعلم الغيب، أو يدبر الأمر، أو يحييَ الميت من غير تدبير الله تبارك وتعالى ومن غير فعل الله، وهذا مما يقدح في توحيد الربوبية، وهو شرك شنيع لم يعرفه الجاهليون الذين أخبر الله تبارك وتعالى عنهم بقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9]، فلم يكونوا يعتقدون أن أحداً يشارك الله تبارك وتعالى في خلقها بل حتى في تدبير الأمر: وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، بل كانوا مقرين لله تبارك وتعالى بذلك، فهذا جانب عظيم، وعلينا أن نتنبه جميعاً، وأن نلحظ ذلك وأن نعلم أن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحيي المميت، الذي ينـزل الغيث، والذي يدبر الأمر، والذي يُعبد وحده في هذا الوجود.
ومما يناقض ذلك مما قد ينتشر مع الأسف الشديد في هذه الأيام بين الناس من اعتقاد أن الأولياء يديرون الكون كما تعتقده الصوفية ، أو أن الأئمة -كما تعتقد الرافضة - هم الذي يديرون الكون! ويزعمون أن ذلك بتفويض من الله لهم! فكأنه أعطاهم ملكه وفوضهم بتدبيره!
وهذا من أبطل الباطل وأمحل المحال؛ فإن الله تبارك وتعالى هو كما أخبر عن نفسه: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، وهو الذي يرزق، وهو الذي يحيي، وهو الذي يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء: وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]، وكل شيء لا يخرج عن حكمته وتدبيره، وهو من خلقه تبارك وتعالى وتصريفه عز وجل لهذا الكون.. فمن اعتقد غير هذا فقد أشرك في الربوبية.
الشرك في الألوهية
ثم إن من الشرك في الألوهية وهو- مما يجب أن يحذر منه- ما يعتقده ويفعله بعض الناس من دعاء غير الله عز وجل، أو الذبح له، أو رجائه أو خوفه كرجاء الله وخوفه، أو محبته كمحبة الله تعالى، وغير ذلك مما يوجد في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وربما أصاب بعض أهل هذه البلاد بتأثير الفرق الضالة كـالصوفية وأشباهها.
فيحسب الإنسان أنه إذا دعا غير الله، أو استغاث به، أو ذبح له، أو تقرب إلى قبره أو ما أشبه ذلك، أنه لم يُخِلَّ بالألوهية، ويظن أن هذا إنما هو نوع من التوسل أو الوسيلة! وهذا من تلبيس إبليس عليهم؛ لأن المشركين الذين عبدوا هذه الأصنام -سواءٌ ما كان منها تماثيل أم صوراً للرجال الصالحين أمثال: وُدّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، والتي عبدت في زمن نوح أو غيرها- ما كانوا يعبدونها إلا لهذا الغرض، كما قال تبارك وتعالى عنهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فيظنون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وكما في الآية الأخرى: وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، فهذه الوسيلة التي يسميها المشركون المعاصرون وسيلة، هي بنفسها وبذاتها كما كان الجاهليون الأولون يعتقدون، وقد كان الجاهليون في تلبيتهم يقولون: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك!!) كانوا يعتقدون أن هذه المعبودات الباطلة هي وما تملكه داخلة في ملك الله.
ومع ذلك فإن هذا من الشرك الذي أبطله الله عز وجل بهذا الدين العظيم -دين التوحيد- وببعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح المؤمن يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، فأبطل تلك التلبية الباطلة وألغاها ومحا ذلك الشرك الذي كانوا يعتقدونه؛ مع أن ظاهره قد يقبله كثير من الناس اليوم، وربما فعلوا ما هو في حقيقته تطبيق وتنفيذ لهذا النداء ولهذه التلبية، وإن لم يلبوا أو يدعوا بها، سواء فعلوا ذلك في الحج أو في غيره، كاعتقادهم في أوليائه أو معبوداته أو صالحيهم -كما يزعمون- وقد يكونون صالحين حقاً، وقد يكونون أولياء، وقد يكونون فجاراً، لكن الشيطان زين عبادتهم لهم، فهنا جانب عظيم من الجوانب.
والله تبارك وتعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وقد حذَّر الله تبارك وتعالى عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوقوع في الشرك كله، ومنه هذا النوع الذي ذكرنا، كما قال جل شأنه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. وعندما أمر الله تبارك وتعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام -وهو إمام الموحدين الذي أُمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتبع ملته في التوحيد، ونبذ الشرك، وتجريد الولاء لله- أمر خليله بقوله: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26]، فالواجب علينا أن نحذر وأن نتنبه من الشرك، ولا سيما في هذا الجانب -أي في جانب الألوهية- لكثرة وقوعه في هذا الزمان وفي سائر الأزمان، نسأل الله العافية والسلامة!
الشرك في الأسماء والصفات
ومما يجب أن نحذره الشرك في أسماء الله وصفاته والإلحاد فيها، كالذين ينفون أسماء الله، ويعطلون صفاته كلها، كما تفعله الجهمية والفلاسفة وغيرهما، أو تعطل بعضها كما تفعله الأشعرية .
ومع الأسف -وأنتن والحمد لله متعلمات ملتزمات- قد يوجد في هذه الأيام في بعض المناهج الدراسية وفي المكتبات وفي الأشرطة من يؤول صفات الله عز وجل، ويخدش في توحيد الأسماء والصفات، الذي هو: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف ولا تحريف.
فنجد من يقول: "إن صفة الغضب معناها إرادة الانتقام، وأن الرحمة هي إرادة الإنعام"، فهذا تأويل، أو من ينفي علو الله عز وجل واستواءه على عرشه، فيقول: "إن الله في كل مكان"! وهذا كثير في هذه الأيام مع الأسف الشديد، وغير ذلك من التأويلات: كتأويل اليد أو اليمين بالقدرة وما أشبه ذلك، فهذا أيضاً يجب أن يقاوم ويحارب؛ لأنه يخدش ويقدح في توحيد الأسماء والصفات.
وربما وصل الحال بهؤلاء المؤولين إلى أن يخرجوا من دائرة الإيمان إذا وصل بهم الأمر إلى تعطيل صفات الله وأسمائه؛ كما غلا الغالون في ذلك من قبل، نسأل الله العافية والسلامة!