الحل بأيدينا فلا يقل أحدنا: الحل عند فلان، والمسئولية على فلان، فإن من أعظم الأدواء ومن أكثر أسباب انتشار واستشراء أسباب الدمار والهلاك أن نلقي بالتبعة وبالمسئولية على جهة معينة أو شخص معين، حتى مسئولياتنا في البيت قد يلقيها الرجل على الزوجة والأولاد، لا فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته } فابدأ بنفسك تجد الحل، وانظر إلى تقصيرك في طاعة الله -عز وجل- وزن نفسك بالميزان الصحيح، فستجد أن ما فيك من الذنوب جدير وحقيق بالعقوبة، وأنك إن تبت إلى الله عز وجل فسوف تجده غفوراً رحيما، وكلنا ذلك الرجل، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا، وأن ننظر إلى ذنوبنا، وإلى حال غيرنا من الناس نظرة النصح والإشفاق، لا أن نحملهم كل المسؤوليات ونترك أنفسنا، فالحل هو الاستغفار والتوبة.
قال تعالى: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] لما آمنوا كشف الله تعالى عنهم العذاب، وقد كان وشيك الوقوع.
فنحن والله اليوم يوشك أن يعمنا الله بعذاب، فهذه الأرض، قد امتلأت بالخطايا والفجور والفحشاء بما لم يعهد في التاريخ المكتوب أبداً، فالحل أن نستغفر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن نتوب إلى الله:
أولاً: من الذنوب الكبار، من الشرك بالله تعالى، فهو أعظم ذنب عُصِيَ الله به، ونخلص في عبادتنا ودعائنا وخوفنا ورجائنا، وإنابتنا وتوكلنا لله رب العالمين، لا شريك له، ثم نتوب من الابتداع في دين الله والقول على الله تعالى بغير علم، والزيادة والنقصان في شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نتوب من المعاصي التي زجرنا عنها الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نتوب إلى ربنا توبة صادقة، ونتبع السيئة الحسنة، سنجد أن الخير والنعمة والرخاء يعود إلينا، ويعمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالنعيم بعد العذاب.
عندما نقول: الفرد، والمسئولية الفردية، ونؤكد عليه، فإن السبب في ذلك أننا دائماً ننظر إلى أخطاء الآخرين ولا ننظر إلى أخطائنا، فكلٌ منا اليوم أصبح يشكو الوضع الاقتصادي، حتى أصبحت ظاهرة عامة في المجالس، فلماذا بدلت بعد ذلك بالترف والبطر؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53] لقد غيرنا، لاحظوا لماذا هذا النقص الاقتصادي الذي حصل؟ لقد قرأت إحصائية لوزارة المالية ووجدت فيها أن المملكة تستهلك من الدخان ما قيمته ألف ومائتي مليون ريالاً سنوياً!! لقد أحللنا بأنفسنا العقوبة، انظروا إلى الأفلام أو أشرطة الغناء، كم يصرف كل إنسان على هذه المعاصي؟ قبل سنوات ما كان هذا الباب يستهلك، والآن كم يشتري كل واحد بالإضافة إلى إيجار المحلات، ومزاحمتها في الأسواق ومنافسة الناس على ذلك صار سبباً من أسباب الغلاء، فهو بسيط لكن له أثر كبير أيضاً.
المشاغل الرجالية التي يذهب إليها النساء أفواجاً وراء أفواج، كم ينفق فيها من الأموال، محلات الأزياء والعطورات، ومحلات التجميل ومشاغل الخياطة، كلها حول شيء واحد، فالمرأة المسلمة لا تتزين ولا تتجمل إلا في البيت لزوجها، فلما عصينا الله عز وجل، وأصبحت المرأة تتزين إذا أرادت الخروج، فكم من الملايين سوف نخسر نتيجة هذه المعصية التي لا يرى كثير من الناس كما أنها معصية، بل معصية خطيرة، ويترتب عليها أضعافاً مضاعفة من الخسارة في الدنيا والآخرة، وهؤلاء الخادمات كم يستهلكن من مال سنوياً؟ وأولئك السائقون كم ندفع لهم سنوياً من الملايين.
ثم نقول: نحن في أزمة! لا والله. نحن اختلقنا هذه الأزمة، وأوجدناها وأحللنا عقوبة الله بأنفسنا وبأيدينا؛ لأننا لم نتب إلى الله ولم نستغفر الله، وارتكبنا ما حرم الله، لو ألغينا كل هذه الأشياء من حياتنا: لو ألغينا الدخان، ومشاغل الخياطة الرجالية، ومحلات بيع الأغاني، ومحلات الفيديو، والتعامل بالربا والفوائد الربوية، والخادمات الأجنبيات، والسائقين الأجانب وبالذات الكفرة، واقتصدنا في استيراد العمال الكفار من بلادهم، بالله كم من الملايين سنوفر؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمران:165] يريد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] فنحن أولى بهذه الآية، فعلى الإنسان منا أن يكون حسيب نفسه قبل أن يحاسب، وما أكثر ما نحتاج أن نحاسب أنفسنا في هذا.
نسأل الله أن يغفر لنا ولكم أجمعين، إنه سميع مجيب.